نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

د.يحيي فوزي
مقدمة في تاريخ الإبر الصينية :
تتميّز الحضارة الصينية التي تمتد إلى أكثر من ٧ آلاف عام بالمخطوطات والمراجع التي تستند إليها عند توثيق تاريخ الصين.. كما تتميّز بتوريث هذه الحضارة والثقافة جيلاً بعد جيل.. ومن بين المراجع الأساسية والمهمة في الطب الصيني كتاب (الإمبراطور الأصفر للقنوات الحيوية الداخلية للجسم)، صدر هذا الكتاب منذ حوالي 400 سنة قبل الميلاد، ويعد خلاصة تجارب طرق العلاج بالإبر الصينية، ويتضمن خبرات ومعارف حقبة الربيع والخريف والممالك المحاربة في تاريخ الصين (٧٧٠ - ٤٧٦ ق.م)، وقد اشتمل هذا الكتاب على محاور كثيرة منها: مراكز الأعصاب في الجسم، وكيفية الاستفسار عن الطبائع (الحالة المزاجية - المشاعر السبعة) وذلك في فصلين كاملين.. أما في منتصف الكتاب فيتحدث عن نظريات اليين واليانج، والعناصر الخمسة في الطبيعة، والأعضاء والأحشاء، والمسارات، والتشي والدم، والمسببات المرضية، والأمراض المستعصية، وطريقة فحص المريض، وتحليل الأمراض وغيرها من القواعد الأساسية في الطب الصيني مثل المعارف الأساسية لنقاط الوخز بالإبر.. وطرق استخدام وتكنيكات الإبر الصينية.
ثم تلا كتاب الإمبراطور الأصفر العديد من المراجع المتخصصة في مجال الإبر الصينية للعديد من الأطباء المشاهير في الصين، والتي كان لها تأثير واضح في تطوير الطب الصيني، منها كتاب (مسارات الوخز بالإبر الصينية والموكسا بدايتها ونهايتها) للدكتور (هوانغ فو) الذي صدر في عام ٢٦٥ ميلادية.. حيث تناول الكتاب القواعد الأساسية للمسارات الداخلية والمسارات الصعبة، وأخص الأبحاث والخبرات الأساسية لعلم الوخز بالإبر، ووضع القواعد الأساسية لتطوير الإبر الصينية في المراكز العلمية والتطبيقات في المستشفيات.
ثم صدر كتاب (خريطة نقاط الإبر الصينية على هيكل الجسم البرونزي) في عام ١٠٢٦ للدكتور (وانغ واي) في عصر أسرة سونغ الملكية.. تناول الكتاب فحص وتعديل نقاط المسارات الأربعة عشر، وفي العام الذي تلاه ابتدع هذا العالم القدير نموذجين من البرونز (مصنوعين من النحاس) عليهما نقاط الوخز والموكسا في عام ١٠٢٧، ويعد هذا النموذج البرونزي من أهم الإبداعات التي حدثت في علم الإبر الصينية حتى وقتنا الحالي والتي كان لها دور بارز في تطوير هذا العلم.
وفي عام ١٢٢٠ صدر كتاب (المرجع الشامل لمسارات الإبر الصينية والموكسا) للدكتور (wang zhi) في عصر أسرة سونغ الملكية، وقد لقي هذا الكتاب إقبالاً ورواجًا كبيرين، وتمت الاستعانة به في مختلف الأبحاث العلمية بعد ذلك، حيث جمع المؤلف بين خبراته الشخصية طوال عمله لعشرات السنين في المستشفيات وبين الإطلاع والأبحاث.
وفي عام ١٣٤١ صدر كتاب (شرح توضيحي للمسارات الأربعة عشر للدكتور (hua bo ren) من عصر أسرة يوان الملكية.. حيث تناول الكتاب المسارات الاثني عشر المرتبطة بأعضاء الجسم، بالإضافة إلي مساري Du وRen والأجزاء التابعة لكل مسار وعلاقتها بالنقاط وتصنيفها على مسار الجسم، ويعد هذا الكتاب مرجعًا مفيدًا جدًا للباحثين في مجال الإبر الصينية.
وفي عام ١٦٠١ صدر كتاب (المرجع الكبير للإبر الصينية والموكسا) للدكتور yang ji zhou من عصر أسرة مينغ الملكية.. تناول الكتاب تجميع كل ما يتعلق بأجهزة الجسم، والوثائق والمراجع المتعلقة بعلم الإبر الصينية، والسيرة الذاتية لجميع العلماء المشاهير في علم الإبر الصينية.. لذلك منذ طباعة ونشر هذا المرجع (الكتاب) يتم تداوله في جميع الأبحاث العلمية المهمة المتعلقة بالإبر الصينية حتى الآن.
لقد أكد التاريخ على أن علم العلاج بالإبر الصينية ذاع صيته، وبدأ ينتشر من الصين إلي الدول المحيطة بها منذ زمن مبكر.. حيث كانت دولة كوريا الشمالية هي أول دولة آسيوية رحبّت بالعلاج بالإبر الصينية منذ القرن السادس الميلادي، في نفس تلك الفترة، تم نشر وترويج كتابي (خريطة قاعة المعرفة) و(مسارات الإبر الصينية من البداية إلى النهاية) إلي مختلف الدول الشرقية.. الأمر الذي جعل الشعب الياباني يتعرف عن قرب على علم الإبر الصينية بعد قراءتهم لهذين الكتابين.. وفي أواخر القرن السابع عشر وصل علم الإبر الصينية إلي دول أوروبا.
في عام ١٨٤٠ كانت أسوأ حالة عاشتها الصين نتيجة الاستعمار وشبه الإقطاع وتأثر بطبيعة الحال الطب الصيني وحدث هدم وطمس لمختلف الثقافة والحضارة الصينية.
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام ١٩٤٩ أصدر الرئيس الصيني ماو تسي دونج تعليماته إلي الحكومة بضرورة الاهتمام بالطب الصيني، وتأسيس العديد من الجامعات والمراكز البحثية للطب الصيني، وخاصة علم الإبر الصينية في جميع مقاطعات الصين، وتوفير جميع الإمكانات للأطباء الصينيين وإنشاء معامل بحثية وتذليل جميع الصعوبات.. ومنذ هذه الفترة حصل الطب الصيني على ولادة جديدة، وأصبح يعالج جميع فئات الشعب الصيني، وتوالت الأبحاث والدراسات والتجارب العلمية في مجال الإبر الصينية، وتوسعت في علاج الأمراض المزمنة المستعصية وفي التخدير وحالات الشلل الدماغي وغيرها.
وفي نهاية القرن الماضي حدث نوع من الشراكة والتعاون العلمي والطبي بين الصين والعديد من دول العالم، وتم إرسال بعثات طبية إلي الصين لدراسة الوخز بالإبر الصينية والحجامة، كما تم بعث أطباء صينيين إلي الخارج لتدريس علم الإبر الصينية في الجامعات والمراكز العلمية.